فصل: من فوائد الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتلخيص ما ذكرناه: أن من أقبل على الدنيا بوجهه ونأى عن الآخرة بعطفه وكدح للدنيا جاهدا ولم يعمل للآخرة صالحا، جاز أن تقول فيه: أنه يريد عاجل الدنيا ومنافعها دون نعيم الآخرة ومنازلها، لا أنه أراد الدنيا على قصد، ولم يرد ثواب الآخرة على عمد، بل لو جمع له الأمران لكان أحب إليه وأجل موقعا عنده، ولكنه لما تشاغل بعمل الدنيا دون عمل الآخرة ساغ أن نصفه- على طريق الاتساع- بأنه يريد عاجل الدنيا دون آجل الآخرة، وهذا كقوله تعالى: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا}، وكقوله تعالى: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة}، فظاهر ذلك يدل على أن من أراد ثواب الدنيا أي منافعها فقط، بعمل يعمله وجهاد يمارسه، لا نصيب له في الآخرة، وإنما يفوز بثواب الآخرة من جعل عمله خالصا طلبا للزلفة لديه والقربة إليه.
2- وقال أبو علي: معنى ذلك: من أراد بجهاده الغنيمة نؤته منها، ومن أراد ثواب الآخرة وهو النعيم الدائم نؤته منه، وجعل سبحانه ذلك ترغيبا في طلب ثواب الآخرة وتزهيدا في طلب نعيم الدنيا. قال: وذلك لطف في المحافظة على الجهاد، لأن من قصد بجهاده طلب نعيم الآخرة لم يزل مقدما على الأعداء، صابرا على اللواء، ومن كان مراده الغنيمة العاجلة ضعف صبره، ولم يؤمن فشله، وكان ثباته قليلا، فشله مدخولا.
3- وقال أبو القاسم البلخي: يجوز أن يكون ذلك خالصا في المنافقين يوم أحد، فخبر سبحانه أنه ينيلهم بعض ما يريدونه من عرض الدنيا، امتحانا لهم لا رضا عنهم، ومما يقوي أن ذلك مخصوص أنا نرى كثيرا من الكفار يريدون عرض الدنيا، ولا ينالونه، ويريدون منها الكثير فينالون القليل، فدل ذلك على كونه مخصوصا.
ويحتمل أيضا- لما قال سبحانه: {نؤته منها}، ولم يقل نؤته إياها- أن يكون المراد بذلك إيتاء القليل والبعض، لا إيتاء الكثير والكل، لأن من للتبعيض هاهنا، وقل أحد إلا وقد أوتي من منافع الدنيا شيئا: كثر أو قل، ودق أو جل. وليس لقائل أن يقول: فقد قال سبحانه: {ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها}، وهذا أيضا يلزمكم أن يكون المؤتى قليلا، لأن من إذا كانت هاهنا للتبعيض، فهي دالة على الإعطاء من الجنس المذكور، ويحتمل ذلك الكثرة والقلة، فيتميز ذلك باستحقاق المعطى، فإن كان عمله جزيلا كان ثوابه جزيلا، وإن كان قليلا كان قليلا، وعلى أنه لابد من ذكر من هاهنا للدلالة على التبعيض، لأنه سبحانه على الحقيقة يعطي كل عامل على قدر عمله من ثواب الآخرة، ولو لم يقل {نؤته منها} وقال: نؤته إياها، لأوهم أنه يؤتي من يريد ثواب الآخرة (جميع ثوابها)، وهذا غير صحيح. والهاء في قوله تعالى: {نؤته منها} في الموضعين راجعة إلى الدنيا والآخرة، وهي في المعنى راجعة إلى الثواب، لأنه معروف في كلام العرب أن يقول القائل: اللهم ارزقني الآخرة، وهو يريد ثواب الآخرة، فلما كان ذلك كذلك كان رجوع الهاء على الآخرة كرجوعها على ثواب الآخرة، ألا ترى أنهم قد يؤنثون فعل الاسم المذكر متقدما عليه لأنه مضاف إلى المؤنث، وقد جاء ذلك في أشعارهم كثيرا، فلئن يؤنثوا الضمير الراجع إلى المؤنث الذي أضيف إليه المذكر متأخرا عنه، أحرى، فمما أنثوا فيه فعل المذكر المضاف إلى المؤنث متأخرا عنه قول الشاعر: مر الليالي أسرعت في نقضي وإنما ساغ له ذلك لأن مر الليالي في الحقيقة من جملة الليالي، وهي مؤنثة، فأنث الفعل حملا على المعنى، ومما أنثوا فيه فعل المذكر المضاف إلى المؤنث متأخرا عنه (وهو أكثر من الباب الأول) قول ذي الرمة:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته ** كما شرقت صدر القناة من الدم

وقول جرير:
لما أتى خبر الزبير تواضعت ** سور المدينة والجبال الخشع

4- وقال بعضهم: معنى ذلك أن من طلب بعمله الدنيا أعطي منها، وكل نعمة على العبد فهي تفضل من الله سبحانه، وعطاء منه، ومن كان قصده بعمله الآخر آتاه الله منها مستحقه، وليس في هذا دليل على أنه يحرمه خير الدنيا مع أعطائه من نعيم الآخرة، لأنه سبحانه لم يقل: ومن يرد ثواب الآخرة لم نؤته إلا منها.
5- وقال بعضهم: معنى ذلك ومن يرد ثواب الدنيا متعرضا له بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر يجز بها في الدنيا من غير حظ في الآخرة، لإحباط عمله بفسقه.
6- وقال بعضهم: معنى ذلك أن من كان يقصد طلب الدنيا فقد أعطاه الله من الدنيا ما إن طلب به ثواب الآخرة آتاه ذلك، وإن لم يطلب ثواب الآخرة فقد أعطاه تعالى من الدنيا ما امتحنه به وابتلاه فيه، وكل مكلف فقد أعطي من الدنيا حظا، إن صرفه إلى معاده نال ما عند الله به، وإن لم يفعل ذلك فقد نال ما طلب من الدنيا، وكان وبالا عليه. وقال قاضي القضاة أبو الحسن: الأقرب في ذلك أن يكون معناه: أن من أراد بجهاده طريقة الدنيا نؤته من الدنيا ما هو صلاح له، لا أن المراد بذلك أن نفس ما يطلبه المرء بعينه يفعله الله تعالى به، لأن ذلك لا يكاد يتم: لا في الجهاد ولا في غيره، إذ كان قدر ما يطلبه العبد من غنيمة أو غيرها لا يكاد يجده، حتى يصير مطلوبه وفقا لمراده غير فاضل عنه ولا قاصر دونه، وهذه طريقة أبناء الدنيا فيما يريدونه منها.
وقوله تعالى: {ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} أي: من نعيم الآخرة والثواب المعد لأهلها، وهذا أيضا لا يدل على أن كل مطلوبه يناله لأنه لو طلب أزيد من مستحقه لم يكن لينال ذلك إلا قدرا ما من التفضل.
فإن قال قائل: فهل يتنافى حصول ثواب الدنيا مع ثواب الآخرة؟ قيل له: إن ذلك لا يتنافى، لأن من يريد الآخرة بجهاده قد تحصل له الغنيمة في الدنيا، فيكون الله سبحانه جامعا له بين الأمرين، ويدل على ذلك قوله تعالى من بعد: {فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين}، فأما قوله تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب}، فلا يعترض به على صحة اجتماع ثواب الآخرة ومنافع الدنيا لبعض العباد، لأن معنى هذه الآية أن من كان يريد حرث الدنيا غير عامل للآخرة نؤته من الدنيا شيئا ونحرمه ثواب الآخرة، وما ذكرناه في ذلك أولا يدل على أن من أراد الآخرة بجهاده يؤتيه الله سبحانه ثواب منها، ويرزقه أيضا من فوائد الدنيا ومنافعها ما يكون فضلا على مراده ونيفا على استحقاقه. وقوله تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه}.
نظير قوله سبحانه: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له} وقوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}، وإنما قال سبحانه ذلك، ترغيبا في العمل للآخرة، إذا كان يضاعف الاستحقاق عليه ويتكفل في الزيادة فيه، تعظيما لقدر ثواب الآخرة، ألا تراه تعالى كيف وصفه بالحسن ولم يصف ثواب الدنيا بذلك! لأن حاليهما مختلفان، فقال سبحانه: {فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة}، وهذا من غوامض القرآن فاستيقظ له!. ومما ينظر إلى هذا المعنى ويرمي إلى هذا المغزى قوله تعالى لأهل الجنة: {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية)}، فأمرهم بالأكل والشرب مطلقا، من غير استثناء للإسراف فيه أو الوقوف على حد لا يجوز التجاوز له، وقال لأهل الدنيا: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} الآية، فاستثنى سبحانه عليهم الإسراف في الأكل والشرب، علما منه تعالى بأن ذلك مفسدة لهم ومقطعة عن عبادة ربهم، إلى كثير من مضار الإسراف العائدة عليهم، ولما كانت هذه الأمور منتفية عن أهل الجنة أطلقهم سبحانه في الأكل والشرب إطلاقا غير مقيد، وأمرهم به أمرا غير متعقب، وهذا أيضا من خبايا القرآن وخفايا هذا الكلام. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {أَنْ تَمُوتَ} في محل رفع؛ اسمًا لـ {كان}، و{لِنَفْسٍ} خبر مقدَّم فيتعلق بمحذوف، و{إِلاَّ بِإِذْنِ الله} حال من الضمير في {تَمُوتَ}، فيتعلق بمحذوف، وهو استثناء مفرَّغ، والتقدير: وما كان لها أن تموتَ إلا مأذونًا لها، والباء للمصاحبة.
وقال أبُو البَقَاءِ: {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} الخبر، واللام للتبيين، متعلِّقة بـ {كان}.
وقيل: هي متعلقة بمحذوف، تقديره: الموت لنفس، و{أنْ تَمُوتَ} تبيين للمحذوف، ولا يجوز أن تتعلق اللام بـ {تَمُوتَ} لما فيه من تقديم الصلة على الموصول.
وقال بعضهم: إن {كَانَ} زائدة، فيكون {أن تموت} مبتدأ، و{لنفس} خبره.
وقال الزجاج: اللام منقولة، تقديره وما كانت نفس لتموتَ ثم قدمت اللام، فجعل ما كان اسمًا لـ {كان}- وهو {أن تَموتَ}- خبرًا لها، وما كان خبرًا- وهو {لِنَفْسٍ} اسمًا لها، فهذه خمسة أقوال، أظهرها: الأول.
أما قول أبي البقاء: واللام للتبيين، فتتعلق بمحذوف، ففيه نظر من وجهين:
أحدهما: أنَّ {كان} الناقصة لا تعمل في غير اسمها وخبرها، ولئن سُلِّم ذلك، فاللام التي للتبيين إنما تتعلق بمحذوف، وقد نَصُّوا على ذلك في نحو: سَقْيًا لك.
وقيل: إن فيه حذف المصدر وإبقاء معموله، وهو لا يجوز.
أما مَنْ جعل {لِنَفْسٍ} متعلقة بمحذوف- تقديره: الموت لنفس، ففاسدٌ، لأنه ادَّعَى حذف شيء لا يجوز؛ لأنه إن جعل {كَانَ} تامة، أو ناقصة، امتنع حذفُ مرفوعها، لأن الفاعل لا يُحْذَف. وكذلك قول مَنْ جعل {كان} زائدة.
أما على قول الزجاج فإنه تفسير معنًى، لا تفسير إعراب.
قوله: {كِتَابًا مُّؤَجَّلًا} في نصبه ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنه مصدر مؤكِّد لمضمون الجملة التي قبله، فعامله مُضْمَر، تقديره: كتب الله ذلك كتابًا، نحو قوله تعالى: {صُنْعَ الله} [النمل: 88] وقوله: {وَعَدَ الله} [الروم: 6]، وقوله: {كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ} [النساء: 24].
الثاني: أنه منصوب على التمييز، ذكره ابنُ عطية، وهذا غير مستقيم؛ لأن التمييز منقول وغير منقول، وأقسامه محصورة، وليس هذا شيئًا منها، وأيضا فأين الذات المُبْهَمة التي تحتاج إلى تفسير؟
والثالث: أنه منصوب على الإغراء، والتقدير: الزموا كتابًا مؤجَّلًا، وآمنوا بالقدر، وليس المعنى على ذلك.
وقرأ ورش: {مُوجَّلًا} بالواو بدل الهمزة، وهو قياس تخفيفها.
قوله: {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا} مبتدأ، وهي شرطية. وفي خبر هذا المبتدأ الخلاف المشهور. وأدغم أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر بخلاف عنه- دال {يُرِد} في الثاء.
والباقون بالإظهار.
وقرأ أبو عمرو بالإسكان في هاء {نُؤتِهِ} في الموضعين وَصْلًا ووقفًا.
وهشام- بخلاف عنه- بالاختلاس وصلًا.
والباقون بالإشباع وَصْلًا.
فأما السكون فقالوا: إن الهاء لما حلت محلّ ذلك المحذوف أعطيت ما كان يستحقه من السكون، وأما الاختلاس، فلاستصحاب ما كانت عليه الهاء قبل حَذْف لام الكلمة؛ فإن الأصل: نؤتيه، فحُذِفَت الياء للجزم، ولم يُعْتَدّ بهذا العارض، فبقيت الهاء على ما كانت عليه.
وأما الإشباع فنظرًا إلى اللفظ؛ لأن الهاء بعد متحرِّكٍ في اللفظ، وإن كانت في الأصل بعد ساكن- وهو الياء التي حُذِفَت للجزم- والأوْلى أنْ يقال: إنَّ الاختلاس والإسكان بعد المتحرك لغة ثابتة عن بني عقيل وبني كلاب.
حكى الكسائي: لَهْ مالٌ، وبِهْ داء- بسكون الهاء، واختلاس حركتها- وبهذا يَتَبَيَّن أن مَنْ قال: إسكان الهاء واختلاسها- في هذا النحو- لا يجوز إلا ضرورةً، ليس بشيءٍ، أمَّا غير بني عقيل، وبني كلاب، فنعم لا يوجد ذلك عندهم، إلا في ضرورة.
كقوله: [الوافر]
لَهُ زَجَلٌ كَأنَّهُ صَوْتُ حَادٍ ** إذَا طَلَبَ الوَسِيقَةَ أوْ زَمِيرُ

باختلاس هاء (كأنه).
ومثله قول الآخر: [البسيط]
وَأشْرَبُ الْمَاءَ مَا بِي نَحْوَهُ عَطَشٌ ** إلاَّ لأنَّ عُيُونَهْ سَيل وَادِيهَا

بسكونها. وجعل ابن عصفور الضرورة في البيت الثاني أحسن منها في البيت الأول، قال: لأنه إذهاب للحركة وصِلَتِها، فهي جَرْي على الضرورة إجراءً كاملًا، وإنما ذكرنا هذه التعليلات لكثرة ورود هذه المسالة، نحو: {يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]، ونحو: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90].
وقُرِئ: {يُؤتِه} بياء الغيبة- والضمير لله تعالى، وكذلك: {وسنجزي الشاكرين} بالنون والياء. اهـ. بتصرف.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

قال رحمه الله:
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)}.
الأنفاس محصورة؛ لا زيادة فيها، ولا نقصان منها.
{وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا}: للصالحين العاقبة وللآخرين الغفلة.
{وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا}: وثواب الآخرة أوله الغفران ثم الجِنان ثم الرضوان.
{وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ}: وجزاء الشكرِ الشكرُ. اهـ.

.من فوائد الفخر الرازي:

قال الأخفش والزجاج: اللام في {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ} معناها النفي، والتقدير وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله. اهـ.

.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلًا}.
وساعة تسمع ما كان أي ما ينبغي. فنحن في حياتنا نقول: ما كان لك أن تضرب زيدا، ونقصد أنه ما ينبغي أن تضرب زيدا. فقوله: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله} هذا القول قد يدفع إلى التساؤل: وهل الموت أمر اختياري؟ لا، ولكن تعبير الحق سبحانه له إيحاء؛ لأنك عندما تقول: ما كان لفلان أن يفعل كذا، فهذا معناه أن لفلان أن يختار أن يفعل ذلك أو لا يفعله، وفي قدرة فلان أن يفعل أو لا يفعل. أما عن قدرة الله فلا يمكن أن يقول أحد ذلك.
إننا نفهمه على فرض أن النفس تدفع نفسها إلى موارد التهلكة، فما لها أن تموت إلا أن بأذن الله. فإذا كانت النفس هي التي تدفع نفسها إلى موارد التهلكة، ومع ذلك لا تملك أن تموت، فكيف إذا لم تدفع نفسها إلى موارد التهلكة. إذن فالموت إن أرادته النفس فلن يأتي إلا أن يكون الله قد أذن بذلك. وإننا نجد في واقع الحياة صورا شتى من هذه الصور.